فنادق التاريخ
فنادق التاريخ

زيارة عن زيارة لطرابلس القديمة ستجعلك تدرك أن المدينة موغلةٌ جداً في القِدم، و أنها كانت مصب حضارات عدة، ومنبعٌ لجمالٍ باهر. و لأنها مدينة بهذا التاريخ والعراقة وهذا الموقع. ولأنها حاضنة القاصي والداني عبر التاريخ ، من أهل البحر والصحراء، من أهل الشرق و الغرب، الشمال أم الجنوب. فقد أثرت فيهم وتتأثرت بهم. كان ينبغي لها أن تشيّد لضيوفها من زوارٍ ورحالين وتجارٍ وحجيج، المأوى الذي تسكن إليه نفوسهم، وتستريح فيه أجسادهم، وتأسر به عقولهم. فكانت الفنادق والخانات التي عرفتها أزقة طرابلس القديمة وميادينها في وقت مبكر، واجهة حضارية ومعمارية واقتصادية وفنية مهمة للمدينة.
( تسير بجانبي الطرقات والأقواس والدور العتيقة
يحتويني المساءُ بقامة المشموم والأطفال
إذ آوي إلى باب البحر ).
محمد الفقيه صالح
تعدّد المُلاّك و تعدّدت الاستخدامات
عمارة متوسطية
تمتعت فنادق المدينة القديمة التي تعود نشأة معظمها إلى حقبة الخمسمائة عام الماضية، بطابع البحر المتوسط المعماري، الذي تميزه الباحة التي تتوسط البناء، فتضفي عليه جمالية خاصة، تصطف حولها الغرف في طابقين على الغالب، عبر شُرف مزينة بالأقواس و الأعمدة والنقوش. فيما احتفظ كل فندق بجمالية خاصة عبر تصميمه ونقوشه المميزة التي تحدثنا عن زمن إنشاءه والتأثيرات المعمارية في عصره، وسعة جيب بانيه ومكانته الاجتماعية.
جولة فندقية بالمدينة القديمة
الفندق الكبير:-
فندق زميت الضفائري:-
يقع في منطقة باب البحر، تحديداً في مواجهة قوس ماركوس أوريليوس. شيده أحمد الضفائرب أحد كبار التجار بالمنطقة، عام 1831. لايزال هذا الفندق يحافظ على الكثير من عناصره المعمارية، ويفتح أبوابه للنزلاء. استغل هذا الفندق قديماً في تخزين البضائع، كما كان مقراً لفرقة جابر التكبالي الفنية بأعضائها الذي كان من ضمنهم، الفنان الشيخ الأمين قنيوة، والفنان محمد عبد الرحمن قنيوة.
فندق مادي حسان:-
يقع في زنقة البدوي. ويعتبر من أكبر فنادق المدينة القديمة، تشير بعض المصادر أنه شيد خلال فترة حكم يوسف باشا القرمالي. لازال يستخدم الفندق حتى اليوم في أعمال الصياغة و الحياكة. فيما يشار إلى نشاطه السياسي سابقا، إذ استغله بعض السياسيين كملتقى لهم في زمن الإدارة البريطانية ، مصادر أخرى تحكي عن تعرض فاضل بن زكري أول عميد لمدينة طرابلس لمحاولة اغتيال داخله.
فندق التوغار:-
يقع هذا الفندق بجهة الفنيدقة ( والتي سميت بهذا الاسم نظراُ لكثرة الفنادق بتلك الناحية ) قسم هذا الفندق لثلاثة أقسام، فصلت عن بعضها البعض. لتكون بعد ذلك فندق سيالة، وفندق النجار، وفندق الوحيشي.
فندق بعيشو:-
يقع بناحية باب البحر في زنقة الخمري تحديداً . لمالكه محمد عريبي. يرجع الفندق حسب رواية صاحبه إلى أكثر من مئتي سنة. استعمل هذا الفندق كمدرسة ابتدائية، واعدادية للبنات اليهوديات. ثم أصبح ورشة نجارة، ثم استغل في أعمال الحياكة وتخزين الأقمشة وبيعها. أصيب الطابق العلوي من الفندق في أحداث الحرب العالمية الثانية.
فندق القرقني ( فندق بن زكري) :-
شُيد هذا الفندق عام 1856 م لمالكه واصف القرقني وعواشة خانم ( يشار إلى أن عائلة القرقني هي عائلة تعود أصولها لبني هود في شبه جزيرة الأندلس، قادمين من جزيرة قرقنة ). آلت ملكيته بعد ذلك لفاضل بن زكري ( أول عميد لبلدية طرابلس ). يتمتع هذا الفندق بجمالية عالية أسرت كل من زاره. يقول مطلع قصيدة على لوحة رخامية عُلقتْ بمدخل الفندق تصف جماله:
فإن مررت بهذا الخام مبتهجاُ *** إن المحاسن أجمعت فيه.
وانظر ترى بهجة تسبي العقول بها *** ونزه الطرف فيما صار يحويه.
تعددت استعمالات هذا الفندق فيما بعد إلى أن أصبح اليوم مقراُ لصاغة الذهب والفضة.
فندق الخوجة:-
يقع هذا الفندق بـزنقة "الدروج"، وتعود ملكيته للشيخ علي الخوجة وأخيه، استعمل هذا الفندق كمبيت منذ بناءه، ثم أصبح مكاناً لفرقة طرابلس للفنون الشعبية والمنوعات. من أشهر الشخصيات التي أقامت بالفندق "فوزي النعاس" رائد النقش على النحاس بالمدينة القديمة. تشير بعض المصادر التاريخية إلى إقامة بعض دور الموضة الإيطالية لعرض أزياء داخل الفندق عام 1957 .
لم تكن هذه الفنادق الوحيدة في طرابلس القديمة فهناك فندق الريح، وفندق الدروز ( نسبة للجنود الدروز الذين أقاموا داخله )، وفندق القرمانلي، وفندق الزهر، وفندق العدلوني، وفندق حواص الفقيه حسن، وفندق الغدامسية، وفندق الطوبيجية ( الطوبيجية بالتركية تعني سلاح المدفعية، وسمي بهذا الإسم نظراً لإقامة جنود المدفعية العثمانية به )، وفندق بن سعد، وفندق الغدامسي، وفندق ميزران، وفندق دلغوسة، وفندق الهنشيري، وفندق بنت السيد ( الذي استعمل كقنصلية لمدينة جنوا، ثم أصبح مدرسة للحرف التقليدية، ثم مركز شرطة "ماركوس أوريليوس"، و أخيرا نادي بحري )، وفندق الغرباء ، وفندق المسلاتي ، وفندق الزيت.
كبقية عمائر المدينة القديمة التي باتت آئلة للسقوط والانهيار، أو للتغول الإسمنتي المشوه للمعالم العريقة، والبديعة للمدينة. أصاب هذا التدمير البطيئ، والتشويه المتعمد، أو الإهمال في أحيان أخرى فنادق المدينة القديمة، فانهار البعض وأزيل الآخر، فيما تحولت بعضها لأسواق ليست في مأمن من الانهيار. إلا أنها تبقى من ذاكرة المدينة التي كانت يوما ما يشهد لها الجميع بالجمال والنظافة.
صندوق الحقائق :-
- أحد المصادر العلمية والتي وثقت تاريخ فنادق المدينة القديمة بطرابلس : كتاب فنادق المدينة القديمة (مصلحة الأثار – منشورات مكتب إدارة المدن التاريخية 2010 ).
- المعلومات التاريخية نُقلت عن المؤرخ مختار سالم دريرة.
- يعتبر فندق زميت الضفائري أحد الفنادق القليلة بالمدينة القديمة -طرابلس التي لاتزال تفتح أبوابها للنزلاء ، جولة مصورة داخل هذا الفندق بمعرض الصور .